الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية إعادة المنظومة التربوية من الحضانة إلى الدكتوراه

نشر في  07 أفريل 2015  (12:10)

بقلم: محمد بوصيري بوعبدلي

صاحب مؤسسات تربوية خاصّة

 إن انهيار التربية والتعليم –وخلافا لقطاعات أخرى- كارثة ليس كمثلها كارثة بحكم ما لهذا الميدان من تأثير على تركيبة الناشئة وعلى توازن المجتمع. ولن أذيع سرا إذا قلت إن تشخيص الأمراض يحتاج إلى مدة طويلة والأهم من ذلك انه ليس حكرا على طرف دون آخر بل مسؤولية كل مكونات المجتمع المدني على اختلاف تعريفاته وأطيافه.

 لقد أصيبت منظومتنا التربوية بالشلل لا بسبب البرامج التعليمية فحسب ولا نتيجة السياسة العرجاء لوزارة التربية في إدارة مؤسساتها ومواردها البشرية بل للـ"طلعات" المتوالية لنقابات المعلمين بجميع أطيافها وتشعّب فروعها، نقابات انتشرت كنار في الهشيم لن ينطفئ لهيبها بالكلام المعسول ولا بسياط خصم الأجور.

 أساتذة جفت حلوقهم من فرط رفض التهميش وللمطالبة بحقوقهم في الترقية وتحسين ظروفهم المعيشية ولكن نسوا أنّهم مجبرون أيضا على أداء واجبهم في تزويد التلاميذ بنود العلم والمعرفة لا سحل مستقبلهم لأجل مصالح يمكن تحقيقها بإرساء الحوار وتفعيل روح النقاش، أساتذة مدحهم أحمد شوقي فقال:

 "قم للمعلم وفّه التبجيل... كاد المعلم أن يكون رسولا".

 هؤلاء الذين كادوا يكونون رسلا، هم الآن بصدد إزهاق حق التلميذ في التعليم وحقه في التعبير، وهي حقوق أقرتها الاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها.

 نحن الآن أمام قضية شائكة تتطلب إيجاد سبل لتفادي فصل رؤوس ملايين التلاميذ بمقصلة لامبالاة النقابات التي باتت أسيرة بل مسكونة بالاحتجاج والرفض لأيّ حوار قد يخفّف من تراكمات راح ضحيتها التلميذ.. هذا القصور النقابي قديم وقد تجاوزه الزمن في الدول المتقدمة، حيث غيرت النقابات أسلوبها وأصبحت أكثر شراكة في رسم البرامج المستقبلية.

 لست ضد حرية التعبير وحق الإضراب ولكني ضد التعنّت والأنانية وصمّ الأذان ووأد أي محاولة للمّ شمل الأسرة التربوية ولو تحت سقف يحتاج إلى ترميم.

 غيرتي الصادقة على التعليم هي صرخة في واد غير ذي زرع

  إن التعليم تماما كالماء والهواء لا يجب أن يتلوّن بالتيارات السياسيّة والمصلحيّة، ولا أن يكون وسيلة لتصفية حسابات من أي نوع كانت.

 التعليم يجب أن يكون متاحا لجميع أبناء الشعب وبالقدر الكافي والصفاء المطلوب وهو كالهواء لا يحق لأي جهة أن تحتكره ، وهو كالماء بحيث يتحتّم على الأطراف السياسيّة والتربوية والنقابية إبقاءه خاليا من الشوائب المضرة بذهن التلميذ أو المضرة بمساره العلمي خاصة في أطواره الأولى.

كنت أودّ في هذا السياق أن تتساءل نقاباتنا الموقرة لماذا لا توجد أيّ جامعة تونسيّة ضمن التصنيف العالمي الذي ينشر سنويا من قبل المؤسسات المختصّة، وفي هذا الصدد علينا اعتبار التربية والتعليم قضية المجتمع ومكوّناته قبل أن تكون قضيّة الدولة.

 إنّنا نسعى إلى إثارة نقاش جماعي معمّق حول المنظومة التربوية الوطنية، وذلك بمشاركة مختلف الحساسيات الوطنية والأطراف المعنية، ونحن نتطلّع إلى تعرية الثغرات الكبرى التي تعاني منها منظومتنا واقتراح تصور علمي لمعالجتها يكون شموليا ويخضع للتدرّج وتتم فيه مقاربة المنظومة كمجموعة حلقات مترابطة ومتكاملة ومتفاعلة داخليا، لكن أيضا مع سائر مكونات المجتمع والدولة.

 ذلك هو في نظري جوهر القضيّة، واختزالا أقول أن العبء يقع على الجميع وقد آن الأوان ليحمل كل منا نصيبه منه وذلك أبسط ما يتطلبه منا انتماؤنا لهذا الوطن العزيز علينا جميعا.